ثمرات شكر الناس على المعروف

ثمرات شكر الناس على المعروف

إن الشكر من أسمى الصفات الأخلاقية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، واعتبرت من تمام الإيمان وكمال المروءة. وإذا كان شكر الله تعالى على نعمه من أعظم القربات، فإن شكر الناس على إحسانهم يُعد كذلك خلقًا راقيًا يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ويُنمِّي الروابط الاجتماعية، ويُشيع في المجتمع روح التعاون والاحترام. وشكر الناس على المعروف ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو تعبير صادق عن الامتنان، ووسيلة فعّالة لترسيخ الخير في النفوس وتحفيز الآخرين على الاستمرار فيه. وفيما يلي دراسة موسعة للثمرات المتعددة التي يثمرها شكر الناس على معروفهم، مدعومة بالأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والتجارب الاجتماعية.

أولاً: شكر الناس من شكر الله

ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ أنه قال: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” [رواه الترمذي]. فهذا الحديث الجليل يوضح أن شكر الناس على معروفهم جزء لا يتجزأ من شكر الله، وأن من اعتاد جحود إحسان الناس، فإنه سيكون أقرب إلى جحود نعمة الله تعالى. ومن هنا، فإن من شكر الناس بصدق، ووقف عند جميلهم بالامتنان والاعتراف، فقد دخل في زمرة الشاكرين لله عز وجل.

ثانيًا: نشر روح المودة والتراحم

الشكر يُعد مفتاحًا لدوام المودة بين الناس، إذ يُشعر المُحسِن بقيمة ما بذله، ويُشجعه على الاستمرار في فعل الخير. فحين يلقى الإنسان التقدير والثناء على معروفه، يزداد اندفاعًا نحو الإحسان، كما يُحفز الآخرين على الاقتداء به. وبالتالي يتحول الشكر إلى طاقة إيجابية تُشيع الرحمة والمساعدة بين الناس. وقد قال الله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” [البقرة: 83]، وهذا يشمل حسن القول في الثناء والشكر.

ثالثًا: تهذيب النفس وتقويم الطبع

الاعتراف بالفضل للغير والشكر عليه ليس أمرًا سهلاً على من نشأ على الأنانية أو الغرور، بل هو سلوك يتطلب تربية نفسية راقية، وتواضعًا، وتقديرًا للغير. ولذا فإن الشكر يُعتبر من وسائل تهذيب النفس، وتقويم السلوك، وتطهير القلب من الكبر والجحود. فالشخص الشاكر يتعلم كيف يضع نفسه موضع المنعم عليه، ويقرّ بفضل غيره، فيكف عن الاستعلاء ويتخلى عن التكبر.

رابعًا: استجلاب مزيد من المعروف

من الأمور الثابتة اجتماعيًا ونفسيًا أن الإنسان يحب أن يُقدَّر، ويُكرَّم، ويُشكر، فإذا فعل الخير ولم يُقابل بالعرفان، شعر بالإحباط وربما امتنع عن تكرار ذلك المعروف. أما إذا قُوبل بالإشادة والثناء، فإنه يُسارع إلى تكرار فعله، وربما يزيد عليه. ومن هنا فإن الشكر يُعد سببًا مباشرًا في استدامة الخير، وانتشاره في المجتمع، لأنه يُحفز المُحسنين ويجذب المزيد منهم.

خامسًا: رفع مقام الإنسان في الدنيا والآخرة

الناس بطبيعتهم يميلون إلى الشاكرين، ويحبون من يُحسن الظن، ويُعلي المعروف، ويرد الجميل. ولهذا، فإن الشكر يُكسب صاحبه احترام الناس وثقتهم، ويجعل له مكانة في قلوبهم، ويُفتح له أبواب القبول. بل إن أهل الشكر يكونون في الآخرة في أعلى المراتب، لأنهم جمعوا بين شكر الله، وشكر خلقه. وقد روي أن النبي ﷺ قال: “أشكر الناس لله، أشكرهم للناس” [رواه أحمد].

سادسًا: دعم الأخلاق الإسلامية في المجتمع

عندما يصبح الشكر ثقافة مجتمعية سائدة، تنتعش الأخلاق النبيلة، ويزدهر التعاون، وتقل مظاهر الجحود والحسد. فالشكر يُعزز قيم الوفاء، والكرم، والتواضع، ويُعيد للمجتمع توازنه الأخلاقي، فيُصبح المجتمع متكافلاً متحابًا. إن ثقافة “رد الجميل” و”عدم إنكار المعروف” تمثل دعائم ثابتة في بناء المجتمعات الإسلامية الناجحة والمترابطة.

سابعًا: تجنب العقوبة الإلهية على الجحود

الله سبحانه وتعالى ذم الجاحدين لنعمته ونعم خلقه، فقال: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” [إبراهيم: 7]. وهذه القاعدة الإلهية تنطبق أيضًا على من جحد فضل الناس عليه، ولم يعترف بإحسانهم، فقد توعده النبي ﷺ في مواضع كثيرة، وبيّن أنه خالف الفطرة والشرع، واستحق اللوم والعقاب.

ثامنًا: تكوين علاقات اجتماعية صحية

الشكر هو لغة الاعتراف والتقدير، ومن يُجيد هذه اللغة، يُجيد بناء العلاقات الإنسانية السليمة. فالإنسان الشاكر يحصد محبة الآخرين، ويُقيم معهم روابط قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل. ومتى ما سادت هذه الروح، ساد الاستقرار الأسري والاجتماعي، وتجنّب الناس الخصومات، وسهلت المصالحة عند الخلاف.

تاسعًا: شفاء للقلوب من الغل والحقد

الشكر يبعث على الصفاء النفسي، ويُطفئ جذوة الغضب والحسد التي قد تشتعل في النفوس، عندما يشعر الإنسان بأنه غير مقدَّر. فمن شكر من أسدى له معروفًا، فقد طهَّر قلبه وقلب من أحسن إليه، وساهم في تهدئة النفوس، وتقريب المسافات، وزوال الأحقاد.

عاشرًا: التخلق بأخلاق النبي محمد ﷺ

كان النبي ﷺ أبلغ الناس شكرًا، وأسرعهم عرفانًا، حتى في الأمور البسيطة، كان يشكر من قدم له معروفًا، صغيرًا كان أو كبيرًا. وقد ورد عنه ﷺ: “من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء” [رواه الترمذي]. فكل من شكر الناس وأثنى عليهم، فقد اقتدى بهديه، وسار على طريقه، وحق له أن يُعد من أهل الخلق النبيل.

جدول: الفرق بين الشكر والامتنان والجحود

الخلاصة

إن شكر الناس على معروفهم ليس مجرّد تصرّف أدبي أو عرف اجتماعي، بل هو قيمة إيمانية عظيمة تُجسد عمق الإحساس بالنعمة، وتُترجم التواضع والخلق الكريم في التعامل مع الآخرين. وهو من العوامل الجوهرية التي تُسهم في ترابط المجتمع، واستدامة الخير فيه، وتعزيز مكارم الأخلاق، ومن مظاهر شكر الله سبحانه. فالمجتمعات التي تشيع فيها ثقافة الشكر تنعم بالسلام، ويزداد فيها المعروف، ويقل فيها الجفاء، وتقترب من النموذج الأخلاقي الذي أراده الإسلام.

المراجع:

1. صحيح الترمذي، أبو عيسى الترمذي، كتاب البر والصلة.

2. تفسير ابن كثير، دار طيبة، تفسير آية [إبراهيم: 7].